منتديات نجوم مسيلة
عزيزي الزائر منتدي مسيلة يرحب بك الرجاء التسجيل في منتدانا ولك جزيل الشكر علي تعاونك معنا ورحلة طيبة في منتدانا وشكرا .
ادارة منتديات نجوم مسيلة

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات نجوم مسيلة
عزيزي الزائر منتدي مسيلة يرحب بك الرجاء التسجيل في منتدانا ولك جزيل الشكر علي تعاونك معنا ورحلة طيبة في منتدانا وشكرا .
ادارة منتديات نجوم مسيلة
منتديات نجوم مسيلة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المسرح في الجزائر

اذهب الى الأسفل

ايقونات2 المسرح في الجزائر

مُساهمة من طرف admin الجمعة سبتمبر 10, 2010 7:47 am

يعد عبد القادر علولة من ألمع رجالات المسرح الجزائري كتابة و إخراجا وتمثيلا، لتجربته الفنية الغنية والمثيرة. وقد لاحت طلائع هذه التجربة بانضمامه المبكر إلى المسرح الوطني الجزائري ممثلاً، ثم انتقل إلى الكتابة المسرحية ثم الإخراج، إذ عُرف في بداية هذه التجربة بنـزعته البريختية وشكل بذلك ظاهرة مسرحية فريدة في تاريخ المسرح الجزائري، بالنظر لما خلفه من نتاج إبداعي جاد ومتميز، جلب إليه اهتمام الدارسين و الباحثين أخيراً، في محاولة لإنصاف تجربته الأكثر تميزاً، عن باقي التجارب في الريبرتوار المسرحي.
إذا كان الإخراج المسرحي لغة لها مفرداتها ودلالاتها ومصطلحاتها وإيحاءاتها، فهي لغة موازية ومترجمة للغة النص المسرحي، لكنها لا تظل على هذه الحال ، بل تتحول إلى تفاعل بين النص وإخراجه، فلا يحدث أي انفصال بينهما، (بين الأفعال والأقوال - الكلمة والحركة) بل يبدو في النهاية وحدة متكاملة، على الرغم من تعدد عناصرها، ذلك أن الإخراج يعد هدفا استراتيجيا ، ففيه يتم تحويل النص (المكتوب) الذي يحتوي على مشاهد تثير تأملات وانفعالات المشاهدين التي لا تمنحها له الحياة اليومية بكل تعقيداتها واضطراباتها. ولا تتم هذه العملية إلا عندما يتجسد هذا النص من خلال التمثيل والتصميم الموسيقي والإضاءة أمام الجمهور الذي يتفاعل معه داخل مبنى، وقضاء خصص لهذا الغرض. بدأ العاملون في الحقل المسرحي يدركون ضرورة الاعتماد على شخص يستطيع أن يمسك بيده خيوط العرض المسرحي، وبالتالي يمكنه منح هذا العرض عناصر التناسب والوحدة والتناغم، و المساهمة في دفع كل مشارك في العرض على إخراج أفضل ما عنده من إبداعات وإضافات. ومن أشهر نماذج مخرجي ما قبل ظهور فن الإخراج "سوفوكليس" "شكسبير" و"كريستوفر مارلو" و"موليير" وغيرهم من عظماء الفنانين. إن فن الإخراج ليس مجرد دراسة لتقنيات المسرح وتاريخه فحسب بل، موهبة ووعي حضاري وثقافي وفكري عميق، يستوجب الإلمام بمجموع ثقافات العصر و الإنسان. يعد عبد القادر علولة من ألمع رجالات المسرح الجزائري كتابة و إخراجا وتمثيلا، لتجربته الفنية الغنية والمثيرة. وقد لاحت طلائع هذه التجربة بانضمامه المبكر إلى المسرح الوطني الجزائري ممثلاً، ثم انتقل إلى الكتابة المسرحية ثم الإخراج، إذ عُرف في بداية هذه التجربة بنـزعته البريختية وشكل بذلك ظاهرة مسرحية فريدة في تاريخ المسرح الجزائري، بالنظر لما خلفه من نتاج إبداعي جاد ومتميز، جلب إليه اهتمام الدارسين و الباحثين أخيراً، في محاولة لإنصاف تجربته الأكثر تميزاً، عن باقي التجارب في الريبرتوار المسرحي الوطني. ولعل السبب الذي دفعني إلى اختيار هذا الموضوع هو انفراد هذه التجربة بخاصية استقطاب أذهان و أحاسيس شرائح مختلفة من الجمهور الجزائري. من هنا بدأ التّساؤل؛ التساؤل عن عمقها و قدرتها السحرية في التأثير على المشاهدين فتفرعت تساؤلات أوجزها فيما يلي. هل مسرح علولة مسرح برختي –ملحمي بحث ؟ إلى أي مدى يمكن تصنيف علولة في القراءات الحديثة ؟ هل كتابات علولة تنتمي للاتجاه الاستشراقي في الوطن العربي؟ هل برفضه للجمالية الغربية –الأرسطية – يموقعه في معسكر الشرق؟ تكاد الأسئلة أن تكون عديدة ومتنوعة، بسخاء التجربة عند عبد القادر علولة في ميدان الإخراج المسرحي، لكن ما شاع عن الرجل أنه كان ملحميا خالصا من خلال توظيفه لجل التقنيات البرشتية في خطابه المسرحي. إنّ المتتبع لأعمال علولة، يكتشف دون محالة أن المؤلف/المخرج يشكلان وحدة واحدة، فهو" فضاء "لتقاطع بين المؤلف والمخرج والباحث عن مسرح جديد يحاول أن يتميز به عن غيره من المؤلفين والمخرجين، حقا قد لا نجادل في أن المخرج يؤسس لاستمرارية المؤلف، وأنّه يعمد على تفجير كل ما أسمته اوبرسفيلدA.Ubersfeld "بلا شعور النصي" فعلولة المخرج يلاحق المؤلف لينـزع منه ما لم يستطع إبداعه في النص الأول، حتى يتمكن من ابتكار هذا اللاشعور وجعله مرئيا متحركاً فوق خشبة المسرح. أنتج علولة عروضا مسرحية "بروح ديمقراطية" مع الممثلين ومع مصممي العرض فهو يترك لممثليه حرية الإبداع والتصور وفق رؤيته للنص-ديكتاتورية المخرج- وذلك لبلوغ غايته في الخطاب المسرحي الذي عمل لأجله". فالعرض المسرحي عند علولة تتشكل حدوده أثناء عملية التأليف، لأن النص عنده مركب بوضوح وفق أسلوب واقعي مرتبط بجدلية دون إهمال " المتعة واللذة " لهدف التغيير الواقع القائم على الأسلوب الذي ابتكره "برتولد بريخت" المتمثل في -التغريب- فالفعل المسرحي عند علولة يصير وسيلة للكشف عن المضمون من خلال إعادة بلورة النص وفق معطيات محلية، يكتشف المشاهد من خلالها على روح علولة وقوته في جعل الفعل المسرحي مسموعا، معتمدا في ذلك على الممثل وعلى صوته، فالنص عنده ينقل لنا العديد من المعاني والدلالات بطرق متنوعة ، لأنه يحتوي على إمكانيات متعددة في تصوير الحكاية والحدث والموضوع إضافة إلى استعانته بالتراث (الأغاني، الرقص).لكن ذهابه إلى المتعة واللذة « le plaisir » كان يجلب له عدة تناقضات على مستوى تشكيل خطابه المسرحي ذو الأبعاد الملحمية الخالصة فالمحاكاة غريزة في الإنسان ... كما أن الناس يجدون لذة في المحاكاة و أحسن مثال على ذلك، أداء الممثل الشهير "سيراط بومدين" الذي كان يميل إلى التقمص النفسي، جلب له شهرة تعدت حدود الجزائر، وكان يتعاطف معه المشاهدين أثناء العروض المسرحية. عمد علولة على إعطاء تكوين خاص لممثليه، عند إنتاج كل مسرحية جديدة وهذا التكوين كان يمس الجانب الفكري على العموم إلى جانب التكوين التقني من تمارين شكلت القاعدة في التعامل مع الشخصية في مسرح علولة، حيث" كان يأخذ مجموعة من الممثلين معه إلى الأسواق الشعبية والمناطق العامرة بالناس، حتى يقتربون مع الشخصيات الحقيقية التي يودون تمثيلها على خشبة المسرح"( )، هذا إلى جانب التكوين السياسي، الذي اعتمد عليه كثيرا في بلورة الوعي لديهم، إلى جانب التكوين التقني حيث ركز علولة كثيرا على تكوين البنية الصوتية، لدى ممثليه، فيقول: "في المسرح نطلب من الممثل أن يحرر ويقترح ويقدم رأيه، ويناقش ليصبح التفاهم في أعلى درجة، طبعا بعد قراءة وفهم الشخصية والنص والأبعاد التي نطمح إليها، ولا أقول أن هذا يعتبر تجريبا، إنها طريقة ديمقراطية في العمل المسرحي وفي بعض الحالات يظهر لنا، من خلال المناقشات التي تجري داخل العمل ضرورة استبدال كلمة أو حركة، ولكن في نهاية الأمر يجري الاتفاق على العرض، وبعد العروض الأولى نتابع النقاش، بغية التحسين، ولكن لا يوجد ارتجال، والممثل لا يخرج عن نطاق الاتفاقية"( )، من هذا الكلام نلاحظ نقطتين هامتين في التعامل مع الشخصية والممثلين في مسرح علولة، الأولى هي مناقشة العرض المسرحي بعد تقديمه للجمهور، فالمسرح المحترف الوحيد الذي كان يناقش العروض بعد تقديمها كان مسرح علولة هو السباق لها، لكي يستطيع معرفة مدى استجابة العرض لدى الجمهور،أي دراسة أقف توقعه و كيفية تحسين مكنيزمات الإرسال و التلقي والنقطة الثانية تتمثل في أنّ علولة يتفق مع فريق عمله منذ البداية على السير العام للمسرحية. فيقول:" لا يوجد ارتجال بل هناك اتفاقية على العرض ككل"( )، وهذا الكلام يجعلنا نقف على ملاحظة هامة في مسرح علولة هو أنّ العمل في رأيه عمل ديمقراطي مبني على المناقشة بين فريق العمل ، وما نريد قوله من خلال هذه الفكرة يتفق مع بريخت الذي يقول: "عندنا المخرج لا يدخل فضاء المسرح بفكرة أو رؤية أو تشكيل حركي، أو ديكورات جاهزة، لكن رغبته لا تهدف إلى تحقيق فكرة ما، بل مهمته تتمثل في تنظيم العمل الإنتاجي للمثلين (موسيقيين، ورسامين، الخ...) في رأيه التدريب أو البروفات لا تعني إرغام الممثلين على تقبل رؤيته التي وضعها مسبقا للعرض بل وضعها محل التجريب "( ) وتعد إدارة ممثل و الوصول إلى أعماق الشخصية من الأعمال الهامة عند المخرج فمن خلال شروحاته وتفصيلاته يجعل الممثل أكثر قدرة على الفهم، ومن تم أقوى على إقناع الجمهور بالشخصية التي يؤديها أمامهم، ويلزم هذه الطريقة، الكثير من التمارين الجسدية والصوتية، حتى يتمكن من إعطاء الكلمة معناها القوي، إنّ الممثل يؤدي بلغة نظرية وسمعية كلمات النص وصمته، إنّه يترجمها بجسده، بوجهه وصوته، حتى لا يتخيل للمشاهد أنه يرى نصا منفصلا عن الإخراج.إن هذه الخاصية هي اتفاق مابين المسرح الكلاسيكي و المسرح الذي دعا له عبد القادر علولة فإدارة الممثل تشبه بكثير الطرق التي أسس لها المخرج الروسي ستانسلافسكي و دونها في كتابه الشهير"فن أداء الممثل" إن الأداء التمثيلي لأعمال علولة يرتكز كثيرا على عامل السرد وعلى تقنية الممثل في التحرك على خشبة المسرح، ويأتي علولة في هذا المقام ليقول "لم يعد على الممثل أن يوهم" بأنه شخص من الشخوص، ولم يعد عليه أن يسترسل بأهواء وأمزجة الشخصية المؤذاة، وأن يتنازل عن شخصية لصالحها، بل عليه أن يبني طوال مدة تأديته، وأنه ممثل ويبقى كذلك ،فيقوم بأداء فني، أداء يقدمه كاستمتاع أساسي للجمهور"( ) ألا يمكن أن نفهم من هذه المقولة أن علولة (وأبوه الروحي بريشت) يريد أن يغرب التمثيل باعتباره أداءً إنسانياً، يفرقنا نحن البشر عن سائر الكائنات ، فالإنسان هو الوحيد الذي بمقدوره أن يفعل و في نفس اللحظة يدرك ما يفعل، ألا يمكن أن نفهم من هذه المقولة أن التغريب باعتباره وفاءا ضمنيا للتطهير الأرسطي لأنه ببساطة يمنح المتلقي تطهيراً من إحساسات زائدة، ومن اندماج مبالغ فيه بالمألوف في الشخصية والدور والممثل و الذي كان منطلقه الأول التصميم الأول للنص من خلال المعالجة الدرامية. خاصة الثلاثية، التي بدأت أثناء عملية الكتابة، لأن الرؤية لديه تتبلور من خلال معرفته القوية لنماذج شخصياته المسرحية في حقيقتها الحياتية، فيتخذ علولة منها موقفاَ إيجابياً، يهدف إلى انتقاد المجتمع و حثه على التحرر من كل القيود التي تعيق سيره نحو التحرر والعدالة الاجتماعية، لذا تكون هذه النصوص غالباً مند بداية تأليفها مدركة لهدفها الفكري شكلاً ومضموناً ومّرد ذلك إلى البحث الميداني، الذي يقوم به قبل البدء في هذه الممارسة الإبداعية، من خلال تجواله بين الناس حتى يتمكن من نقل حقائق الواقع بكل تناقضاته. فتراه في المشهد الأول لمسرحية الأجواد يصور الحالة التي آلت إليها الحديقة العمومية نتيجة إهمال مسئوليها، والوضع الذي تعيشه حيواناتها من جوع و إهمال، و في المشهد الثاني يدخلنا من خلال "جلول الفهايمي" إلى خبايا المستشفى حتى نقف على ما يجري بداخله من ظروف تدعو إلى القلق على مستوى الصحة العمومية في الجزائر. وفي المشهد الثالث يجعلنا نتعاطف مع شخصية "عكلي أمزغان" الذي تبرع بهيكله العظمي بعد وفاته إلى المدرسة التي يشتغل بها. المعروف عن علولة أنه نقب في التراث المحلي للمنطقة، باحثاً عن أساليب جديدة تجعله يتعرف على خصوصيات المشاهد الجزائري، محاولة منه تقريب المصطلحات و العبارات المستعملة في نصوص مثل الشعرالشعبي و الحكم والأقوال المأثورة التي تنبع من هذا الخزان الثقافي. لقد أثبت علولة في مسرحية الأجواد تمكنه من تقنية المعالجة الدرامية لنصه ذلك أن إنطلاقة هذه التجربة، نابعة من عملية التأليف نفسها، فكان يبحث دوماً عن نص مسرحي بعيد عن البهرجة و الدعاية ، تمتزج فيه طرق الكتابة التقليدية بعناصر جديدة في عملية ألحكي المسرحي، لذا كان مند البدء يدرك ما سيفعل بهذا النص داخل إطار الإخراج المسرحي، و يمكن القول أن جل نصوصه المسرحية كتبت للإخراج، و هذا ما ميز معظم كتابات المبدعين الذين يخرجون نصوصهم بأنفسهم. تعتبر مسرحية الأجواد ، من أهم المسرحيات التي أنتجها علولة في بداية الثمانينات حيث هزت الساحة الفنية الوطنية والعربية (*) من خلال تحكمه البارع في عمليتي التأليف و الإخراج، وكان عنصر التقمص لدى ممثليه أهم ما احتوته المسرحية. إن امتزاج القوال بمفهومه التراثي و الممثل بمفهومه الكلاسيكي-الأرسطي- ينتج لنا شخصية مسرحية جديدة البناء ، وإن هذا التزاوج يفرض بالضرورة نوعين من الإرسال (التمثيل)، الأول سردي يعتمد على طاقات المشاهد السمعية و التخيلية و الثاني، يعتمد على الحوار والإيماءات التي تستدعي بدورها تتبع النص والحركات التي تصدر عن الممثلين أثناء عملية العرض. إنها بذلك تحقق فرجة مسرحية تكمن قوتها في استغلال معظم مناطق الفضاء المسرحي وكذا استجابة الممثلين لشخصياتهم المزدوجة(القول من ناحية و تمثيله من ناحية ثانية)، هذه الفرجة التي تثير اهتمام المشاهد في تتبع سير الفعل و الحدث المسرحي وبالضرورة تتبع نمو الشخصيات من بداية المسرحية إلى نهايتها. إن هذه الخاصية في مسرح علولة الملحمي نجدها في نقيضه أي المسرح الأرسطي فكان "ستانسلافسكي" يهدف إلى تفاعل الممثل مع المشاهد، لكن بطريقة مختلفة عن بريخت، فهو يرى أن معاناة البطل ما هي إلا المعاناة التي يعيشها المتلقي في حياته الخاصة، ويطلب في الكثير من الأحيان من ممثليه الاستعانة بذاكرتهم العاطفية وتجاربهم الخاصة. اهتم علولة كثيرا بالأشكال المسرحية الشعبية التي عرفتها المجتمعات العربية عامة، والجزائر خاصة، وكانت "الحلقة" و"القوال" محل اهتمامه بالدرجة الأولى في تجربته، لما تحمل من بذور مسرحية جنينية، وتجلت تلك التأثيرات في صفات شخصياته المسرحية خاصة في مسرحية الأجواد التي يتلاقح من خلالها عنصران يكونان بنيتها الأساسية، شخصية مشكلة وفق النمط الأرسطي بأبعاده المختلفة، وشخصية تغوص بجذورها في أشكال التراث المحلي. حينما سئل علولة عن كيفية بنائه للشخصية المسرحية قال:"إنني أستخرجها من الحياة اليومية، من واقع كل يوم، بالطبع هناك معالجة فنية وجمالية، أي كل ما يشمل عمل الإبداع المعقد، إن شخوصي تنطلق وتنبثق من الواقع، وهدفهم هو واقع المتفرج"( ) إن الممثل في مسرح علولة ليس نفسه في المسرح الأرسطي، قد يتقمص شخصية دوره إلى حد ما، لكن دون إيهام، فهناك دائما تلك المسافة التي يلحظها المشاهد بين الدور والشخصية، فنراه يخرج عن نظام الدور نفسه، من خلال حركات أو مفردات، لا تقولها الشخصية في النص، محاولا من خلال التمثيل بطريقة مغرّبة، لدفع المشاهد إلى التأمل والتعمق في الجوهر الداخلي للمسرحية.هذا التغريب أسس له علولة لسانيا فقد اعتمد على كلمات مفتاحيه تجعل المتفرج يتباعد مع ما يعرض أمامه وعلى سبيل المثال كلمة: قال- قالو – يقول – او بتحريك شخصيات أخرى تؤدي عن طريق الإيمائية ما تقوله الشخصيات الأخرى فنلحظ في نفس اللحظة فعلين لمشهد واحد الأول ممثل و الثاني متحرك. استعان علولة كثيرا بتقنيات المنهج النفسي" لستانسلافسكي" في إدارة ممثليه، معتبرا أنها القاعدة الأساسية في تكوينهم، كما كان يضع دائما في أذهان ممثليه أن مسرحه لا يدفع الممثل إلى تقمص أدواره، لدرجة سقوطه في الإيهام، وامتزجت هذه الرؤى بآراء بريخت، من خلال مؤثر التغريب لتتولد عملية تلاقح بين المنهجين(*) (تقمص وتغريب ) من خلال توظيف شخصية القوال التي كثيرا ما تغرب الأحداث بتقمصها، وتنشئ علاقة تتأسس على قدرات العرض في خلق وبناء خيال المشاهد عن طريق الكلمة والحركة و الانفعال و العاطفة. إن المزج بين المنهجين لا يتجلى للمشاهد العادي، إذ على الرغم من أن علولة تأثر بالمنهج الملحمي إلا أن مسرحه يعتمد كثيراً على أساليب ستانيسلافسكي في إدارة الممثل و تركيب شخصيات أدواره و تمثيلها أساساً. إن هذه المفارقة قد تبدو للبعض نقدا لعملية إدارة الممثل عند مخرجنا ، لكن حينما نقوم بقراءة بسيطة لعملية التمثيل في مسرح علولة، نقف على ما ذهبنا إليه ، حيث نلمس عن قرب أن الممثل يعيش نوعاً من التناقض على مستوى التمثيل، فهو في نفس الوقت داخل دائرة الملحمية (نصاً وإخراجاً) و يمثل شخصية دوره عن طريق التقمص، و الغريب في ذلك أن هدف الرؤية الإخراجية هو كسر الإيهام. اشتغل علولة على توظيف التراث في مسرحية الأجواد، فاكتسبت المسرحية قدرة كبيرة على التحاور مع موروثنا الثقافي و الفني من خلال توظيفه لعدة عناصر أضفت جمالية خاصة على العرض، في فضاء التشكيل الحركي و فضاء الكتابة في خروجها من حيز القاعة الإيطالية التي أعاقت تطور هذه المسرحية و التي كان علولة يحاول باستمرار توظيف القوال و الحلقة لكسر الإيهام من جهة ، و العودة إلى الأصول الأولى للاحتفال عند عامة الناس من جهة ثانية. إن لجوء علولة لبعض الأشكال التراثية القديمة كان بهدف الولوج إلى معرفة تصور جديد لعلاقة العرض مع الجمهور الذي جعلته الظروف الاقتصادية و الثقافية و الاجتماعية لا يتردد على المسرح، فيصرح مخرجنا قائلاً " إذا الشعب البسيط لم يتردد كثيراً على المسرح ، فَلِمَ لا يذهب المسرح إليه"( ) إن إشكالية الفضاء المسرحي جعلت علولة يفكر في إيجاد أساليب جديدة لخطابه المسرحي من خلال توظيفه للحلقة، التي كانت بمثابة المادة الخام لرؤيته الإخراجية و تشكيله الحركي ووسيلته للخروج عن الفضاء الإيطالي الذي كان بالنسبة إليه مجرد فضاء يفرض بعداً أحادياً أثناء العرض، فالحلقة فضاء يسمح بتعدد الأبعاد" Multiplication des perspectives " ذلك أن العرض يصير من خلال هذا الفضاء متعدد الرؤى و يسمح بمسرحة القول. لقد ساهمت الحلقة -كموروث شعبي - في بلورة تجربة علولة المسرحية من خلال الأجواد، فسمحت بفهم خطورة هذه التجربة -من ناحية تكسير الفضاء التقليدي- وفي إسهامها في توظيف طرق الحكي القديمة، لأن الشعر "الشعبي" كان بمثابة المصدر المهم والغني في الكتابة المسرحية عند علولة، إنه ذاكرة جماعية تلتقي عندها كل الذوات، ذاكرة موصولة بالماضي والتاريخ والأرض، لكن لم يكن هم علولة كسر هذا الفضاء نفيا للغرب كمفهوم إيديولوجي و اثبتا لروحه الشرقية فعلولة عكس ذلك تماماً، كان يهدف من خلال ذلك إلى إيجاد أساليب جديدة تمنح إبداعه بعداً "أمميا" عالمياً لا شرقياً و لا غربياً فلقد ركب علولة واستبدل الكثير من الحكايات وفق ما درسه عن طرق الحكي في الحلقة الشعبية وجعل الستارة الضوئية -حيز الظلام- تفصل بين كل مشهد وآخر، إن علولة لا يعيد إنتاج الحكايات القديمة في مسرحية الأجواد بل أنه ينطلق من موقف نقدي يعتمد المساءلة لتحريك جامد التراث واستنطاق صامته في تركيب بسيط لقضايا المجتمع من خلال رؤية نقدية تنبع من وعيه بمشاكلهم اليومية قصد تحريكها وتوظيفها بتقنية السرد الحكائي. إن الهدف الاستراتيجي من أي عرض مسرحي هو ترجمة النص إلى وحدة متجانسة مع كل المؤثرات المرئية والصوتية التي تهدف إلى إثارة انفعالات وأفكار المشاهد. والحياة لا تدب جسم النص المسرحي إلا إذا تجسد على خشبة المسرح من خلال التصميم والموسيقى والرقص والغناء، وأمام الجمهور الذي بدوره يتفاعل داخل المبنى أو الفضاء المسرحي، ولا بد أن نؤكد على أن التشكيل الحركي، هو أحد أهم عناصر الخطاب في مسرح علولة، إذ يعبر عن أفكاره وإيديولوجيته، وعن أبطاله الذين أبدعتها تأملاته العميقة للمجتمع وطرحها فوق منصة المسرح، ليقولوا بصوت مرتفع إننا موجودون، فلقد رصد علولة عبر تجربته التي زادت عن ثلاثون سنة، تراكمات معرفية في ميدان الكتابة والإخراج والتمثيل وفي استخدام العديد من الطرق والرؤى الإخراجية التي نوعت مسرحه وخلقت فضاءات جميلة تحتوي تشكيلات إبداعية صورت المجتمع الجزائري عن قرب. أن هذه التجربة المسرحية الفتية التي يزيد عمرها عن ثلاثين سنة من العطاء المتواصل كانت في طور التشكّل استناداً إلى قوله "بأن ما توصل إليه من نتائج لازال في مرحلة الصياغة و التجريب". فلم يشأ لها القدر أن تكتمل، ذلك أن صاحبها كان بطلا لمسرحية أخرى لم يخبره مخرجها أن البطل يموت فيها قبل نهاية الفصل الأخير...

لخضر منصوري.



ضيف كتب "تم تبني المسرح في الجزائر في ظروف معينة، وأثرت شروط هذا التبني كثيراً على تطوره، فالمسرح في الجزائر فن مستعار، كما تمت ممارسته في السابق، وكما يمارس في الوقت الحالي لأنه في الأساس فن مستورد، ولأن الجزائريين لم يتقبلوه إلا أخيراً، بيد أن ذلك لم يؤثر أبداً على تكفلهم الجدي به ولا على منحهم إياه ما يشبه الشرعية أو الضمانة الضرورية لكي يتم الاعتراف به على المستوى الوطني.

هذه الوضعية التي يكتنفها الكثير من الغموض، هي ما يميّز المشهد الفني الجزائري الذي يعيش نوعاً من الواقع المركب الذي يتميّز بالاختلاف الثقافي الشديد. استحوذت النخبة العاصمية (الجزائر العاصمة) على هذا الفن منذ البداية، وشرعت في إعدادها للنصوص المسرحية، وكان هذا الأمر جديداً على المجتمع الجزائري، وبالتالي مثيراً للفضول، لكن هذا الفن المستعار لم ولن يمنع إطلاقاً من تواجد عناصر اكتسبت العرض المسرحي، عناصر مستمدة من التراث الشفهي، فاستيعاب النموذج الفرنسي لم ينجح في محو آثار الأماكن الثقافية الشعبية البادية في المسرحيات المكتوبة من طرف مؤلفين، أثر فيهم المخيال الشعبي وسمات الأدب الشعبي لدرجة كبيرة، هذا مع العلم أن أشكال تقليدية عدة انتهت الى التلاشي في الوقت الذي تبنى فيه الجزائريون فن المسرح بصفة نهائية، خصوصاً تحت ضغط التحولات والأحداث التي كانت تعصف بالمجتمع الجزائري، وهذا ما يطلق عليه عالم الاجتماع التونسي، إسم "الرهن الأصلي". عندما يصف هذه الوقائع الجديدة ويدعوه جون دوفينو "أساطير أيديولوجيات مأسوية". الرواد إذا ما ساءلنا واقع المسرح في الجزائر خلال بداية القرن نلاحظ أن الرواد الأوائل من أمثال علالو وقسنطيني وبشطارزي الذين استعاروا القالب الأوروبي، لم ينجحوا في التخلص نهائياً من القوة المغناطيسية التي تمثلت في العمق الدرامي الشعبي الذي يكتسح مخيال وثقافة هؤلاء المؤلفين الثلاثة. كانت المسرحيات تخضع بكل تأكيد للقالب الأوروبي في ترتيبها للأحداث لكنها تحوّلت الى موضع تتجمع فيه إرادياً أو لا إرادياً الإشارات الكامنة الدالة على الثقافة الشعبية. كانت بنية الحكاية هي الخلفية السائدة للعرض المسرحي، كما كان الشعر الحاضر غالباً في الفضاءات الشعبية، كثيراً ما يتخلل النص ليصبح مركز الفعل وكانت الكلمة كذلك تؤثر بدورها في التمثيل وفي قدرات الممثلين وتحدد الوجوه الهندسية الكبرى والانفعالات المشهدية، كانت الذاكرة تتسلل قسراً الى عالم جديد لا يمكنه صد هذا الاكتساح الذي يحول جذرياً البنية المسرحية الراسخة بعمق في أغوار المخيلة المسرحية، ليوقظ الوقائع الثقافية الأصلية. بطريقة مبعثرة ومشوشة حال ملامسة هذه الأخيرة للقيم والأشكال الخارجية. هذا الكمون تحدده المدة الزمنية والإشارات الكامنة تميّز الواقع الاجتماعي المعاش، لكنها تبقى في حالة يقظة أي في حالة انتظار. بيد أن الباحثة الفرنسية "أرليث روث" أول باحثة ناقشت دكتوراه حول المسرح في الجزائر، لا يبدو أنها عاينت هذه المسألة، إذ تجاهلت هذه المشكل واكتفت فقط بالتأكيد على نقص التكوين لدى الرعيل الأول من المؤلفين الدراميين وقد كتبت روث ما يلي "لقد اقتصروا على تقبل فكرة تمثيل بعض السكتشات وإدماج هذه الإنتاجات في عرض يتضمن أغاني ورقصات قدموها تحت اسم أعراس عربية". يبدو هذا التفسير غير كامل، لأن الباحثة أزاحت عنصراً هاماً يتلخّص في انبثاق المخيال الجماعي وعراقة هذه المجتمعات والأشكال الشعبية المطمورة التي بقيت في حالة كمون في اللاوعي والتي تبرز على غير انتظار من خلال التعبيرات الثقافية والاجتماعية إن الثقافة الشعبية التي يدعي البعض أنها اختفت نهائياً ويعتبرون أنها اندرجت في عداد الموتى تشهد فجأة تحولات جذرية وتذهب حد العمل على تغيير الأشكال التي قيل عنها عالمة. إن عامل المفاجأة هو أكثر ما يميّز اقتحام الفضاءات المغلقة بإحكام وبذلك تنتهك الاستعارة التي غالباً ما تكون في حالة كمون الفضاءات المغلقة وغير قابلة لاستقبال هذا الشكل المستعار. لم يكن في مقدور العلامات الخارجية أو التي تتكون خارج السياق أن تمحو نهائياً البنى الداخلية أو تلك التي تتطور داخل السياق هذه البنى التي هي عبارة عن منتوجات معبأة بالعلم وبالتاريخ تقتحم العرض الدرامي الجزائري. إن نصوص علالو وقسنطيني وبشطارزي تحتوي شئنا أم أبينا على مخلّفات الثقافة الأصلية التي تخضع بكل بساطة الى أولوية الجهاز المسرحي. مسرح الكلمة والقول: وضع المؤلفون/ الممثلون الذين كانوا متفهمين لجمهورهم ويولون أهمية قصوى لفعل التلقي شخصيات مستقاة من الحكايات الشعبية ومن الأدب الشفهي والكتابي على خشبة المسرح. وكانت مواضيعهم مستوحاة من الواقع اليومي ومن الأحاجي والعروض السحرية وشكّلت "ألف ليلة وليلة" بالإضافة الى حكايات "جحا" (تلك الشخصية العربية الشعبية). العناصر الأساسية التي يتركز عليها العرض المسرحي كما كانت أول مسرحية جزائرية باللغة العربية الدارجة عبارة عن وصف لمفاخر وحيل "جحا" تلك الشخصية الأسطورية المحببة لدى الأوساط الشعبية وقد اتخذت هذه المسرحيات أساساً طابع البنية المسرحية الغربية على صعيد الترتيب والإحكام لكنها تميّزت أحياناً بسير دائري لتتابع الأحداث كان يجسد موقع الحكاية الشعبية ويوظف أيضاً العناصر الخرافية والعجيبة، وانقسمت المسرحيات الى مشاهد عدة (يراوح عددها من واحد الى خمسة) تتناول أحياناً مواضيع وقائع مستمدة من عالم الحكاية الشعبية ومن بين العناصر التي وظفت في هذه العروض المسرحية: التكرار، الشكل اللولبي، أهمية الراوي، أولوية الفعل على الأداء، استعمال اللواحق المسرحية البسيطة (العصا على سبيل المثال) فهذا المسرح كان مسرح الفعل بالدرجة الأولى، مسرح الكلمة وغالباً ما ينوب فيه الممثلون عن "القول" أو "المداح" كان كل شيء يرتكز على قريحة ومهارة الممثل وقدرته على استعمال والتحكم في أداء الكلمة والرد السريع الذي يصيب مرماه في الحين. ويمكن تفسير نجاح قسنطيني أو التوري بنزوعهما الى الارتجال باستمرار، والارتجال أمر مريح لجمهور تعود على هذا النوع من الوضعيات. إذ يتيح له أن يلتقي من جديد بالراوي وبالساحة العمومية أو بالسوق وبالتالي تقتحم هذه الساحة العمومية المسرح من دون سابق إنذار، إذ ينقلها المتفرج الى قاعات العرض ويلعب المخيال دوراً هاماً في كيفية سير العرض المسرحي وفي عملية التلقي. المكان إن المكان اكتسب الملموس الخاص بالمسرح يختلف بالفعل عن الفضاء المفتوح الذي يحتله الراوي (سواء كان مداحاً أم قوالاً) وما إن ينتقل الى المسرح حتى تحدد العوارض (الاحتمالات) الثقافية والتاريخية العلاقة التي يقيمها المتفرج مع المسرح والتي تعرضت لتحولات جوهرية غاية في الدقة ناجمة عن تسلل مخيال الجمهور الى المسرح، فالممثل المسرحي كان يتطور في فضاء مغلق، في حين كان المداح أو القوال يحتل الأسواق والساحات العمومية في المدن والقرى. وظف الهجاء الاجتماعي في المسار السردي للحكاية وبالتالي نددت قصص جحا بعيوب المجتمع الجزائري من لؤم المفتي الى جشع بعض القضاة وطمع الأغنياء الى نفاق المجتمع. فالعديد من المواضيع ومن الشخصيات المسرحية المستمدة من عمق التراث والثوري وحتى رويشد. كما أن كاتب ياسين أكد على البنية السردية حول شخصية جحا الذي أصبح بالمناسبة سحابة دخان أو زيتون التي تتحول تدريجاً على الخشبة لتصبح مركز أحداث الساعة. هذا المزج الفرضي بين شكلين متناقضين ظاهرياً يميّز العرض الفني الأدبي الجزائري ويشكل تياراً يعيد تناول بعض العناصر من الثقافة الشعبية بطريقة لا إرادية، يمثل هذا التيار بوضوح كل من كاتب ياسين وعبدالقادر علولة وولد عبدالرحمن كاكي وسليمان بن عيسى، وقد أفرزوا شكلاً مسرحياً يزاوج بين التقليد والمعارص. فكاتب ياسين الذي استدعى جحا كان يسعى الى كسر الحائط الرابع الى التقليص من تضاعف الفضاءات والأزمنة عبر التقطيع السردي وإقامة علاقة مثمرة مع الجمهور، أقيمت عدة عروض لمسرحياته في الهواء الطلق، ومن جهته أدخل علولة القوال أي الحاكي معيداً إنتاج التنظيم المادي للحلقة فوق خشبة المسرح، هذه الحلقة التي كانت تجد نفسها حبيسة الفضاء المسرحي التقليدي ويمكننا الاستشهاد بأربع مسرحيات لعلولة انضوت تحت راية هذه التجربة الأصلية هي "حمق سليم"، "القوال"، "الأجواد" و"اللثام". أما سليمان بن عيسى فقد ألقى بنفسه في أداءات خارقة للعادة عبر الكلمة التي باشرت في إقامة عملية تنظيم للفضاء مع مختلف حركات الشخصيات والبناء التاريخي للخطاب المسرحي ومن جهته احتفل ولد عبدالرحمن كاكي بعرس بهيج، احتفل بزواج بريشت بالثقافة الشعبية حمال الماء والمرابطين الثلاث. كان الفعل عنده مشاهدة الصورة ويساهم في تشكيل مختلف المستويات المسرحية والقواعد الهندسية والبيوغرافية، يدرج الزمن الأسطوري، زمن الحكاية، الاضطراب على نطاق التوسلات الزمنية الحالية، الملموسة ويقترن بفضاءات غالباً ما يحددها المؤلف والمخرج المسرحي وقد جعل تكامل الفضاءات وحضور العناصر العجيبة والخارقة، هذه المسرحيات تكتسب بعداً شاعرياً وأفرز تجزيئاً للمسار السردي. وشحنت أولى التجارب المسرحية الجزائرية شخصياتها وكذا الوضعيات الأسطورية بمحتوى اغترفته من ثقافة "العادي" فعلالو عكف على إخراج مسرحيات استمدها من "ألف ليلة وليلة" لكنه أعاد استخدام حكايات هذا العمل الأدبي الشهير، خصوصاً بالكيفية التي يستوعبها المخيال الشعبي، لقد استعمل علالو في مسرحياته "أبو حسن المغفل"، "الخليفة والسيد"، "حلاق غرناطة" و"عنتر لحشايشي" بالفعل مخطط التنظيم التقليدي (التقطيع حسب المشاهد، دخول وخروج الممثلين، تركيب الديكور، الأزياء). بيد أنه احتفظ بالشخصيات وبالوضعيات والهيئات الفضائية الزمنية كما هي. إلا أنه كثيراً ما كان يبعث بأسماء الشخصيات ويقلب الأدوار، فهارون الرشيد يصبح قارون الرشيق وعنتر المعروف بشجاعته الأسطورية ومعشقه المجنون يتحول الى رجل حذر يفتقد الى الشهامة ولا تحق عشرته، إن الأسطورة والتاريخ قد شهد في مسرحيات علالو تشويهاً أكسبها محتوى جديداً وبنية جديدة وأضحى "التقليد" و"التجديد" متوازيين، يتحاوران فيما يشبه عالماً من جليد. العودة الى التراث: إن الخطاب الأصلي أفسح المجال لتحولات درامية جذرية ووضع جنباً الى جنب تصوران اثنان للعالم والكتابة الدرامية، هذا التحول الجذري في الإشارات أحدث استقلالاً مضاعفاً للمعني وحرك مبادرة مزدوجة، لكنه على النقيض، يساهم في إنشاء وحدة خطابية. كان هذا النمط الجديد من الكتابة، والذي كثيراً ما نال اعجاب الجمهور العريض، يضع نفسه في خدمة بنية خارجية، أو تقع خارج السياق، تفرض أولويتها على مستوى العرض النهائي، وتلك مفارقة عجيبة، فالاشارات كانت تحمل في طياتها نظاماً من التجسيد لتعيد انتاجه فيفرز نوعاً من التناقض الخطابي، يشرح سعد الدين شنب مدى اسهامات "التقاليد" الشفهية في المسرح الجزائري بما يلي: "ان الحكاية التي يفترق منها المؤلفون العاصميون أعمالهم مشكلة من مجموعة قصص رائعة واساطير ذهبية أورثتها الأجيال القديمة منذ قرون عن طريق السمع لا عبر النصوص المكتوبة، وتعود هذه الخاصية بدون أدنى شك الى الطابع الشعبي البحث للمسرح العاصمي" وهو مسرح هزلي "الذي لم يكن مؤلفوه من أهل البحث والتبحر في المعرفة. إن الأعمال العاصمية ليست عبارة عن اعادة بناء لأن المؤلفين اعترفوا دائماً مصادرهم من الكنز المشترك الذي استمده الشعب من الحضارة والتاريخ العربيين". استخدم العديد من المؤلفين اذن القصص والحكايات المستمدة من التراث الأدبي وبطبيعة الحال لم يعمل أغلبية الممثلين على الاستلهام من الثقافة الشعبية بطريقة سافرة، انما كانت العناصر المأخوذة من هذه الثقافة الشعبية تؤثر على نصوص درامية عديدة، لكن الأمور بدأت تتغير نوعاً ما، لأن ظاهرة التغريب عمت في وقتنا الحالي واكتسحت عدة فضاءات، فضاء التراوي ص 8. في حين سعر بعض المؤلفين الى اعادة استخدام الاشكال الدرامية القديمة (كالحلقة والقوال والمداح والعساوة... الخ). وبالتالي اصبحنا نعثر على شخصيات وأوضاع مأخوذة من "ألف ليلة وليلة" وباقي الحكايات الشعبية في المسرح الجزائري وقد حدث افراط في توظيف شخصية جحا في المسرح الذي تحول مثلاً الى "موح زيتون" عند كاتب ياسين كما زاد اهتمام المؤلفين العرب والأفارقة في وقتنا الحالي، بالعودة الى استخدام الأشكال الشعبية، وميز آخر الانتاجات المسرحية الجزائرية بعودة متكررة الى التاريخ القديم والى مختلف البنيات الدرامية الوطنية مثلما الحال في مسرحية "دف القول والبندير" للمسرحي الشاب طيب دهيمي والتابعة للمسرح الجهوي لقسنطينة، فهذه المسرحة تنقل بعض الأشكال القديمة (القوال، المداح، العيساوة، البوغنجة) فوق خشبة المسرح وفي فضاء مغلق يكثر فيه تحديد اشارات العرض المسرحي، ليحركها وفق بنية اتفاقية ومن جهته نجح أحميدة العياشي، المؤلف والممثل والمؤلف والمخرج الدرامي والصحفي في اثارة انطلاقة موافقة للكلمة المستمدة من الكنوز الشعرية للغرب الجزائري، ولأداء يستخدم التعبير الجسدي والبصري، ان الاشارات الثقافية الشعبية تنبئ بنوع من الملحمة، وبإعادة النظر في لغة متفق عليها وتحت ضغط الأشكال الدرامية المستعارة في عالم ثقافي آخر تنثني المعايير السائدة تغدو أكثر مرونة وأقل سطوة وهيمنة ويمتزج نوعان من العروض ليصنعا صورة فرضية تضع أحياناً وجهاً لوجه نظامين من الاشارات الفريدة. نظامان يساهمان في نهاية الأمر في عملية اضفاء معنى شامل وفي تعريف الخطاب الاجمالي. ان الاخراج المسرحي، هذا الفضاء الذي تتركز فيه مختلف الهيئات الخطابية الخاصة، يتغذى من التعارض زمن الثنائية المذهلة التي تفرز على عكس كل انتظار ـ خطاباً مسرحياً منسجماً ومترابطاً وفي هذا المجال نجد بيتر بروك الذي يعمل باتجاه "مسرح مفتوح" تلك التجربة الاصلية لمهرجان افنيون والممثلة في تجربة الفضاء المغلق وكسر التصور السائد لفن التمثيل وتركيب النصوص من الكتابة هو حالياً في قلب النقاشات الدائرة في البلدان الأفريقية والعربية يحتل الغناء والرقص في أغلب الأحيان مكانة جوهرية وربما اكتشف القارئ آثاراً ضحلة جداً للثقافة الشعبية في بعض المسرحيات الواقعة تحت التأثير الكبير للتجارب المسرحية التقليدية. التقنيات اتيحت لبعض الممثلين/ المؤلفين بعد الحرب العالمية الثانية امكانية متابعة دروس في الفن الدرامي بمراكز فرنسية للتكوين (المركز الجهوي للفن الدرامي ومصلحة التربية الشعبية) وحاولوا اعادة انتاج نمط الترتيب المهين على المؤسسة المسرحية الفرنسية. فمصطفى كاتب وعبد الحليم رايس اللذان قدما للمسرح في الاربعينيات، لم يوليا الا منزلة صغيرة "التقاليد الشفهية" فالخيارات الجمالية التي تم الحسم فيها كانت قطعية = اعادة توظيف التقنيات المسرحية التقليدية في الكتابة، فقد كانا يجيدان الكتابة المسرحية، مما سمح لهما ببناء فضاءات اصيلة على الرغم من نقل العتاد المسرحي ومن التأكيد على القدرات الصوتية، وعلى الرغم من الخيارات الواضحة فيما يخص الاخراج المسرحي الا انه لم يكن من النادر أن نعثر في أعمالها على آثار واضحة لخصائص ومميزات الحكاية الشعبية، فنجد أن مصطفى كاتب، على سبيل المثال اعاد استعمال شخصية "جحا" في مسرحية "جحا باع حمارو" التي أخرجها للمسرح الوطني عام 1938. اما المونولوج أو "ألوان مان شو" (عرض الرجل الواحد) هذه الضيغة المستعملة بكثرة خلال الثمانينات والتسعينات فقد اغترفت هي ايضاً حيويتها من نفس هذه الثقافة الشعبية اي من قصص الرواة حتى وإن شكلت احداث الساعة سياسية كانت أم اجتماعية، الفضاء الجامع لخطاب هذا الشكل المسرحي الذي كثيراً ما حدد المسار السردي واطلق العنان لشتى المعاني. تذكرنا طريقة السرد والتمثيل الايجازي المضمر وكذا تكاثر الكليات الفضائية ـ الزمنية واستخدام بعض اللواحق والتقنيات التي يستعملها الرواة الشعبيون. قد نجح محمد فلاق في الربط بين هيئتين سرديتين ادمجهما في بعضهما البعض فنتج عنها خطاب لاذع هو العلامة المميزة لحكايات جحا. سيستخدم فلاق بطبيعة الحال تقنيات المسرح الاتفاقي (المهرج، الزي) لكنه يؤسس عمله المسرحي حول الكلمة التي تعدد الفضاءات وتحدد الخيارات الزمنية، في حين يفرق احميدة العياشي حتى اذنيه في عملية اعادة امتلاك مختلف العناصرالمستعارة من الارث الثقافي الشفهي، ويكتسح حكيم دكار بدوره وهو ممثل شاب وفرض نفسه بجد على الساحة المسرحية في الجزائر. فضاء الراوي ويتلاعب بحذاقة بالكلمات والايماءات والاشارات وهو يحذو حذو القسنطيني والتوري وكل أولئك الرواة الذين ملأوا الساحات العمومية. بمقدور هؤلاء الممثلين أن يتطوروا بدون اي مشاكل في الفضاءات المفتوحة، ومن جهة أخرى تشكل كفاءة الممثل وتلاعبه بالكلمة المواضيع الرئيسية للأداء المذهل. ان تبني فن المسرح لم يتم دفعة واحدة لكنه تميز بتدرج متعرض وقطيعة متكررة وقارة فقد تم استيعاب العديد من العناصر بطريقة تدريجية، المكان المسرحي، الديكور، الأزياء... الخ. وقد تطابق هذا التدرج مع احتياجات الساحة ومع طلب الجمهور الذي غالباً ما كان مطبوعاً بالثقافة الفرنسية وآثار ثقافته نفسها ومع التكوين المكتسب من طرف رجالات المسرح. يصر المؤلفون حالياً، وبالحاح على توظيف الاشكال الشعبية. ان عملية استدعاء الحلق، العيساوة، الراوي (القوال أو المداح) تلبي حاجة ملحة لاعادة النظر في النوع المسرحي. وتعبر عن رغبة في القطيعة مع نمط ترتيب السرد والفضاء المسرحي الحالي الذي يرزح تحت كثير من الجمود والثقل. لقد أدمج علولة الحلقة (البنية الدائرية) والقوال (الراوي) في تشكيل نصوصه المسرحية، لكن هذه الاشكال سرعان ما تتحلل في غياب فضاء مفتوح وعالم أكثر استقبالاً وتلقياً. أحمد شنيقي(*) (*) باحث جزائري قدمت هذه الورقة في الندوة الفكرية التي عقدت على هامش مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي الأخير "
admin
admin
المدير العام
المدير العام

عدد المساهمات : 1183
نقاط : 8986
تاريخ التسجيل : 18/05/2009
العمر : 35
الموقع : stars28.yoo7.com

الاوسمة
مشرف: مشرف عام
مراقب: 500
المشرفون: 100

https://stars28.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى